صرخة الألم.. مقاطعات شعبية للمنتجات الغربية ترفع صوتها تنديداً بالعدوان على غزة

صرخة الألم.. مقاطعات شعبية للمنتجات الغربية ترفع صوتها تنديداً بالعدوان على غزة

تعيش الشعوب العربية حالة من الحزن العميق والألم الكبير على وقع العدوان الوحشي الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة، ولا تزال تواصل هجماتها رافضة كل دعوات وقف إطلاق النار.

وفي تعبيرٍ عن غضبها واستنكارها، تتوسع حملة المقاطعة العربية الشعبية للمنتجات الغربية وخصوصا الإسرائيلية والأمريكية والداعمة لهما، معتبرة ذلك وسيلة فعالة للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني المظلوم وللضغط على المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات حازمة تجاه إسرائيل. 

حملات شعبية كثيرة شنها نشطاء بمختلف الدول العربية، فمن البحرين إلى الكويت وفي الأردن ومصر، يتفادى كثيرون شراء تلك المنتجات ويستبدلونها بالمحلية أو أخرى مستوردة من دول عربية.

وتجتاح حملة لمقاطعة المنتجات الغربية تحت شعار "هل قتلتَ اليوم فلسطينيا؟" عددا من الدول العربية، في تحرك شعبي تضامني مع الفلسطينيين وتنديدا بما يعتبره المنظمون والمشاركون دعما غربيا للدولة العبرية.

ووفقًا لوسائل إعلام، وجدت سلسلة مطاعم "ماكدونالدز" نفسها هدفا رئيسيا للحملات، والشهر الماضي، أعلن "ماكدونالدز" فرع إسرائيل أنه قدّم آلاف الوجبات المجانية للجيش الإسرائيلي، ما أثار استياء الرأي العام العربي. 

تباعًا نشرت فروع ماكدونالدز في عدد من الدول العربية بيانا صادرا عن مجموعة "ماكدونالدز العالمية" تؤكد فيه أن لا علاقة لها بـ"التصرف الفردي" من قبل الوكيل في إسرائيل، وأنها "لا تموّل أو تدعم بأي شكل من الأشكال أي حكومات أو جهات داخلة في هذا الصراع".

وأعلنت شركة "ماكدونالدز الكويت" وهي وكالة منفصلة، في بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، التبرّع بـ"خمسين ألف دينار كويتي (أي أكثر من 160 ألف دولار) لأهلنا في غزة"، مؤكدة أن متجرها "يقف مع فلسطين". 

وكذلك قدّمت "ماكدونالدز قطر" مليون ريال قطري (نحو 275 ألف دولار) "للمساهمة في جهود إغاثة أهالي غزة". 

وفي قطر، أُرغمت بعض الشركات الغربية على الإقفال بعد أن قامت إداراتها بنشر محتوى مؤيد لإسرائيل على شبكات التواصل. 

وأغلقت فروع مقهى "بورا فيدا ميامي" Pura Vida Miami الأمريكي ومتجر "ماتر شو" Maitre Choux للحلويات الفرنسية أبوابها في الدوحة الشهر الماضي. 

وفي مصر، لاقت شركة المياه الغازية المصرية "سبيرو سباتس"، التي كانت شعبيتها ضئيلة جدا، رواجا كبيرا كبديل للعلامتين الشهيرتين "بيبسي" و"كوكاكولا". 

ونشرت الشركة التي تأسست عام 1920، بيانا على صفحتها على فيس بوك يفيد بتلقيها أكثر من 15 ألف سيرة ذاتية عندما أعلنت طلبها موظفين جدد لتلبية رغبتها في توسيع النشاط التجاري بعد الطلب الكبير على منتجاتها. 

غير أن الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية حذّر من أن المقاطعة قد يكون لها تأثير كبير على الاقتصاد المصري. 

وأكد في بيان أن "مثل تلك الحملات لن يكون لها أي تأثير على الشركات الأم" لأن الفروع المحلية تعمل بنظام الامتياز التجاري وبالتالي فإن "الأثر سيكون فقط على المستثمر المصري والعمالة المصرية".

وتشير البيانات الأخيرة إلى نجاح هذه الحملة في تحقيق تأثير ملموس على الاقتصاد الإسرائيلي والأمريكي، وإذا كانت قد أتت ثمارها في الأعوام السابقة فلم لا تنجح هذه المرة.

ففي العام الماضي، قدرت قيمة الصادرات الإسرائيلية إلى الدول العربية بنحو 6 مليارات دولار، ولكنها تراجعت بنسبة 60% في العام الحالي، ومن المتوقع أن تتواصل هذه الانخفاضات في المستقبل القريب. 

وتعكس هذه الأرقام المدمرة والمثيرة للقلق تحولًا في وعي المستهلك العربي، الذي أدرك أنه لا يمكنه الاستمرار في دعم الشركات والأنظمة التي تتورط في انتهاك حقوق الإنسان وارتكاب الجرائم ضد الشعب الفلسطيني. 

رسالة قوية تؤكد رفض العنف والظلم، وتعزز أهمية العدالة والحق في تحقيق السلام، ومع ذلك، فإن الأثر الحقيقي للمقاطعة يتعدى المظاهر الاقتصادية. 

فقد أظهرت دراسات أخيرة أن هذه الحملة أثرت على الوعي العالمي، وزادت من مستوى التضامن مع الشعب الفلسطيني ودعم القضية العادلة. 

كل يوم يزداد أعداد الأفراد والمؤسسات التي تنضم إلى هذه الحملة، وتعلن عن رفضها التام لاستمرار العدوان واستغلال الشعب الفلسطيني. 

"جسور بوست"، تناقش فاعلية سلاح المقاطعة وتأثيره على الجانب الأمريكي والإسرائيلي من جهات عدة.

خصومات المستورد وانتشار المصري».. كيف أثرت المقاطعة على الأسواق بعد الحرب  الإسرائيلية على غزة؟

سلاح فعال ولكن!

قال الحقوقي الفلسطيني محمود الحنفي، إن المقاطعة سلاح فعال وقديم، لكنه يحتاج إلى مقومات كي ينجح وكي يكون له تأثير، فجربنا من خلال مكتب المقاطعة العربية والمنبثق عن جامعة الدول العربية ومكانه في دمشق وللأسف لم يتم تفعيله أو احترام الخطط والقرارات الصادرة عنه، ما يعني أنه شكلي وصوري ثم أغلق لاحقاً، هذا على المستوى الرسمي، ثم بعد التطبيع الحادث مع أكثر من دولة فُرغ من مضمونة، خاصة أن الدول المطبعة كبيرة ومؤثرة في المنطقة العربية.

وأضاف الحنفي في تصريحات لـ"جسور بوست"، حتى إن التضامن السياسي من الدول العربية لم يكن بالمستوى المطلوب، لم تسمح إسرائيل بإدخال أي شيء لقطاع غزة، وعليه إذا لم يكن هناك قرار رسمي من تلك الدول بقطع العلاقات فلا يمكن تعزيز المقاطعة الشعبية بدونه، والمقاطعة الشعبية هي رأي تضامني وطني وسيكون أكثر تأثيرًا إذا ما عُزز بالقرارات السياسية، تبقى لنا المقاطعة الشعبية، وبالطبع لها تأثير، فإذا تأثر رأس المال سيكون هناك ضرر للشركات الغربية ومن ثم إلغاء العديد من الصفقات التجارية مع الإسرائيليين.

No description available.

محمود الحنفي

وأتم، سلاح المقاطعة الشعبية قوي ولكنه يحتاج إلى رعاية رسمية ابتداء من جامعة الدول العربية، لكن مع الأيادي المرتعشة مع سياسة الاحتلال فربما لا تنجح، وعلى كل عربي القيام بما لديه من التزام وطني ديني أخلاقي تجاه غزة من خلال المقاطعة.

خسائر اقتصادية فادحة

بدورها، علقت الإعلامية التونسية مريم حمودة والمهتمة بالجانب الاقتصادي للدول قائلة، إنه يجب علينا أن ندرك أن الأثر الحقيقي للمقاطعة يتجاوز الجانب الاقتصادي، إنها رسالة قوية من العرب، تؤكد أنهم لن يظلوا صامتين في وجه الظلم والقمع، إنها صرخة تنادي بالعدالة وتطالب بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، مؤكدة أن تأثير المقاطعة على الشركات والدول يمكن أن يكون قوياً وملموساً ومؤثرا، فعندما يقرر المستهلكون والشركات عدم شراء أو استخدام منتجات معينة، يتأثر حجم مبيعات تلك الشركات بشكل كبير، فعلى سبيل المثال في عام 2020، أظهرت دراسة أجريت في الولايات المتحدة أن حملة المقاطعة لشركة تصنيع السيارات الأمريكية "غوتش" نجحت في خفض مبيعات الشركة بنسبة تصل إلى 25% في غضون شهور قليلة. 

وأضافت في تصريحات لـ"جسور بوست"، المقاطعة تؤدي أيضًا إلى تراجع قيمة الأسهم والقيمة السوقية، فعندما ينخفض الإقبال على منتجات شركة ما بسبب المقاطعة، يمكن أن يؤثر ذلك على قيمة أسهم الشركة وقيمتها السوقية، وسبق وخسرت شركة "إنفستكورب" الأمريكية، التي تدير مراكز تسوق في الشرق الأوسط، نحو 280 مليون دولار من قيمة سوقها بعد أن أعلنت الدول العربية حظر بيع منتجاتها في إطار حملة المقاطعة، وقد تؤدي المقاطعة إلى إلغاء عقود تجارية أو شراكات بين الشركات المقاطعة والشركات المستهدفة.

وأتمت، نأخذ في الاعتبار أنه قد يتفاوت تأثير المقاطعة بشكل كبير اعتمادًا على عوامل مثل حجم الشركة المستهدفة، وقوة الحملة، ومدى تأثيرها على القوى السياسية والاقتصادية المعنية، إضافة إلى ذلك، يجب أيضًا النظر في الآثار الجانبية للمقاطعة، حيث قد يتضرر العمال والموظفون الذين يعتمدون على تلك الشركات لسببٍ أو لآخر، وقد تتسبب المقاطعة أيضًا في تصعيد التوترات السياسية والاقتصادية بين الدول. 

مريم حمودة

بشكل عام، تكمن قوة المقاطعة في قدرتها على جذب الانتباه والرأي العام، ولكن تأثيرها الفعلي يعتمد على عدة عوامل وظروف متنوعة.

 تأثيرات سياسية كبيرة

وعلق الخبير السياسي الجزائري، توفيق قويدر على الأمر بقوله، إنه لا شك بالمرة في فاعلية سلاح المقاطعة على الدول المستهدفة من نواحٍ عدة، من بينها الجانب السياسي، وهو سلاح مستخدم منذ الأزل حتى في بداية الدعوة الإسلامية استخدمه كفار قريش ضد المسلمين بهدف تجويعهم وإذلالهم والحاق الخسائر بهم، والمقاطعة يمكن أن تؤثر سياسياً واجتماعياً بعدة طرق، يمكن أن تدفع حملات المقاطعة الحكومات والمؤسسات السياسية إلى إعادة النظر في سياساتها واتخاذ قرارات جديدة، على سبيل المثال، في عام 2019، تعرضت شركة "ديسني" لحملة مقاطعة بسبب قرارها دعم فيلم يعتبر مسيئًا للفلسطينيين، ونتيجة لذلك، قامت الحكومة الأمريكية بإعادة النظر في عقودها مع الشركة وتأجيل المشاريع المشتركة. 

وأضاف قويدر في تصريحات لـ"جسور بوست"، قد تؤثر المقاطعة على العلاقات الدولية والدبلوماسية بين الدول وليس فقط العلاقات الاقتصادية.

محلل سياسي مقيم في باريس يكشف منابع تمويل المعارضة الجزائرية في أوروبا -  آسيا اليوم

توفيق قويدر 

إذا كان بإمكان المقاطعة إلحاق الضرر اقتصاديا وسياسيا بالدول المستهدفة، فهل يمكنها أيضًا التأثير اجتماعياً؟

يجيب عن هذا السؤال أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، الدكتور طه أبو حسين بقوله، إن هذا الأمر محسوم وقطعاً تتأثر الشركات والدول وكذلك الأفراد اجتماعياً بالمقاطعة، فيمكن أن تساعد المقاطعة في توعية الرأي العام وخلق وعي حول قضايا اجتماعية محددة، ونضرب على ذلك مثالاً بحملة المقاطعة التي قادتها حركة "أوكابايد" في جنوب إفريقيا في الثمانينيات، لمكافحة نظام الفصل العنصري، وساهمت في تعزيز الوعي العالمي بالقضية وضغطت على الحكومة الجنوب إفريقية لإجراء تغييرات سياسية واجتماعية جذرية. 

 

الدكتور طه أبو حسين

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، قد تؤثر المقاطعة على الشركات من الناحية الاجتماعية عن طريق خلق ضغوط على سياساتها وممارساتها، في عام 2020، قادت حملة المقاطعة للشركات الإعلانية على منصات التواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك" و"تويتر"، إلى تراجع قيمة أسهم تلك الشركات وزيادة الضغط عليها لتحسين سياساتها المتعلقة بالترويج للكراهية والتطرُّف، وهذه أمثلة قليلة على كيفية تأثير المقاطعة سياسيًا واجتماعيًا. 

وأتم، لها جوانب سلبية نفسية واجتماعية على الأفراد، فلو كانت تلك الحملات عالمية لشعر أفراد وشعوب الدولة المستهدفة بالخزي ومن ثم الانعزالية ومن ثم الاكتئاب وغيرها من الأمراض النفسية والاجتماعية.
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية